في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي
على مختلف جوانب الحياة اليومية، تواجه المكتبات تحديًا كبيرًا في جذب الجمهور
والحفاظ عليه. ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت والوصول السريع للمعلومات عبر
الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، قد يتساءل البعض عن الدور الذي يمكن أن تلعبه
المكتبات في هذا السياق. ومع ذلك، تظل
المكتبات مؤسسات حيوية تقدم مجموعة واسعة من الخدمات التي لا يمكن أن تُستبدل
بالكامل بالتكنولوجيا. هذا الموضوع يستعرض ست خدمات تستخدمها المكتبات لاستعادة
جمهورها مرة أخرى في عصر الذكاء الاصطناعي.
1. الدورات
وورش العمل التكنولوجية
تعد ورش العمل التكنولوجية من الوسائل الفعالة التي تستخدمها
المكتبات لجذب روادها في عصر الذكاء الاصطناعي. توفر هذه الورش فرصًا للتعلم
العملي والتفاعل مع أحدث التقنيات، مثل البرمجة، والروبوتات، وتحليل البيانات،
والواقع الافتراضي. من خلال هذه الورش، يمكن للمستفيدين اكتساب مهارات جديدة
وتطوير معرفتهم بالتكنولوجيا الحديثة، مما يعزز من فرصهم في سوق العمل ويشجعهم على
الابتكار والإبداع .
جانب من ورش عمل مكتبة الملك عبد العزيز العامة
2. المساحات
الإبداعية
تعد المساحات الإبداعية ومساحات العمل المشتركة في المكتبات من
أبرز الخدمات الحديثة التي تهدف من خلالها المكتبات إلى استقطاب جمهورها في عصر
تسوده تقنيات الذكاء الاصطناعي. فهذه المساحات توفر بيئة محفزة للتعلم والتفاعل،
تمكن الزوار من استخدام أدوات التكنولوجيا المتقدمة، مثل المختبرات التقنية التي
تتيح الاستفادة من الطابعات ثلاثية الأبعاد، وأدوات البرمجة، والمعدات العلمية،
وبرمجيات التصميم.
وتهدف هذه المبادرات إلى تنمية روح الابتكار والإبداع لدى
المستفيدين من مختلف الفئات العمرية، وتشجيعهم على اكتشاف مهارات جديدة وتطوير
مشاريعهم الشخصية في بيئة داعمة وملهمة. كما تسهم هذه المساحات في تعزيز مكانة
المكتبات كمراكز مجتمعية حيوية تدمج بين المعرفة والتكنولوجيا، فتغدو وجهة مفضلة
للباحثين والطلاب والمبدعين على حد سواء.
المساحة الإبداعية لمكتبة إدمونتون العامة
3. برامج
القراءة التفاعلية
تسهم برامج القراءة التفاعلية في إعادة إحياء دور المكتبات في
عصر الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها وجهة مفضلة للقراء والباحثين، ويعزز من مكانتها
كمؤسسات حيوية تواكب تطورات العصر وتلبي احتياجات جمهورها بطرق مبتكرة وفعالة. يسعى هذا
النوع من البرامج إلى دمج التكنولوجيا مع تجربة القراءة التقليدية، مما يوفر تجربة
مميزة وجذابة للمستفيدين، حيث تعتمد
على تقنيات متقدمة مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي، بالإضافة إلى استخدام
الذكاء الاصطناعي لتحليل تفضيلات القراء وتقديم توصيات مخصصة. من خلال هذه
البرامج، يمكن للمستفيدين التفاعل مع النصوص بطرق مبتكرة، مثل مشاهدة مقاطع فيديو
توضيحية مرتبطة بالمحتوى المقروء، أو الاستماع إلى ملفات صوتية تشرح المفاهيم
المعقدة، أو حتى المشاركة في مناقشات افتراضية مع مؤلفي الكتب وخبراء في المجال.
تمثل برامج القراءة التفاعلية فرصة ذهبية لتعزيز العلاقة مع
جمهورها واستقطاب شرائح جديدة من المستخدمين، وخاصة الشباب الذين يميلون إلى
استخدام التكنولوجيا في حياتهم اليومية. وبذلك يمكن للمكتبات تعزيز دورها كمراكز
تعليمية وثقافية تتبنى الابتكار والتكنولوجيا لخدمة المجتمع.
استوديو الواقع الافتراضي الجديد في مكتبة
ليستر هيل
4. الاستشارات البحثية والدعم
الأكاديمي
تلعب المكتبات دورًا أساسيًا في دعم الباحثين والطلاب من خلال
تقديم خدمات الاستشارات البحثية والمساعدة الأكاديمية. يمكن للمكتبات أن توفر
جلسات استشارية فردية أو جماعية مع خبراء في مجالات مختلفة، تساعد الباحثين على
تحسين مهارات البحث وتحليل البيانات، وتوجيههم نحو المصادر الأكاديمية الموثوقة.
تتميز هذه الخدمات بتقديم بيانات حيادية وبعيدة عن التحيز، حيث تكون المصادر
المستخدمة موثوقة ومراجعة ومحكمة، مما يضمن جودة المعلومات وصحتها.
قسم الاستشارات والخدمات البحثية الأكاديمية بجامعة
فلوريدا
5. فعاليات
ثقافية وفنية
تنظم المكتبات طيفًا واسعًا من الفعاليات الثقافية والفنية التي
تسهم في إحياء دورها كمراكز تفاعلية نابضة بالحياة. وتشمل هذه الفعاليات عروضًا
مسرحية، وندوات أدبية، وحلقات نقاش، وعروضًا فنية متنوعة، تُقام في أجواء تعليمية
وترفيهية محفزة، تجمع أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم.
وفي عصر تطغى فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي على تفاصيل الحياة
اليومية، وتتعاظم فيه وتيرة الأتمتة إلى حد يهدد بطمس اللمسة الإنسانية، تبرز
أهمية هذه الأنشطة في إعادة التوازن، من خلال إنشاء بيئة مجتمعية دافئة، تعزز
الروابط الاجتماعية، وتشجّع على التفاعل مع الثقافة والفنون، والانفتاح على تجارب
فكرية وجمالية نابضة بالإنسانية.
وهكذا تواصل المكتبات أداء رسالتها الأصيلة، بوصفها فضاءً
جامعًا بين المعرفة والتعبير الإبداعي والتواصل الإنساني، ومتنفسًا ضروريًا
يذكّرنا بقيمة اللقاء، والحوار، والتجربة الحية في زمن تسوده الشاشات والخوارزميات.
جانب
من الفعاليات الثقافية بالأرشيف والمكتبة
الوطنية بالإمارات العربية المتحدة
6. المكتبات المتنقلة
في ظل التطور التكنولوجي السريع وظهور الذكاء الاصطناعي كقوة
محركة رئيسة في مختلف المجالات، تواجه المكتبات تحديات كبيرة تتعلق بجذب الجمهور
وتقديم خدمات تلبي الاحتياجات المتغيرة للمستخدمين. ومن بين الاستراتيجيات
المبتكرة التي يمكن أن تلجأ إليها المكتبات للتفاعل مع جمهورها في هذا العصر
الجديد، تبرز فكرة المكتبات المتنقلة كأداة فعالة لاستقطاب الجمهور وتوفير خدمات
معرفية عالية الجودة بطرق مبتكرة تتماشى مع التغيرات التقنية والثقافية.
المكتبات المتنقلة ليست فكرة جديدة في حد ذاتها، فقد كانت
تستخدم منذ عقود لتوصيل الكتب والخدمات المكتبية إلى المناطق النائية التي تفتقر
إلى البنية التحتية الثقافية. ومع ذلك، في عصر الذكاء الاصطناعي والاتصال الرقمي
الفائق، يمكن إعادة تصور هذه المكتبات لتكون أكثر ديناميكية وتفاعلًا مع الجمهور.
يمكن لهذا النوع من المكتبات أن تكون
مجهزة بتقنيات متقدمة مثل الإنترنت عالي السرعة، وأجهزة الواقع الافتراضي والمعزز،
وكذلك أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقدم توصيات مخصصة للمستخدمين بناءً على
اهتماماتهم السابقة.
يمكن للمكتبات المتنقلة أن تلعب دورًا هامًا في سد الفجوة
الرقمية التي قد تتسبب فيها هيمنة الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. في الوقت
الذي يتحول فيه العديد من المستفيدين إلى المصادر الرقمية، قد يجد البعض الآخر
صعوبة في الوصول إلى هذه التقنيات المتقدمة أو التكيف معها. هنا تأتي أهمية
المكتبات المتنقلة في توفير تجربة مادية تفاعلية تتيح للجمهور الاستفادة من
المكتبة بطريقة تجمع بين العالمين الرقمي والمادي. يمكن لهذه المكتبات أن تزور
المدارس والمجتمعات المحلية والمعارض، مما يتيح للمستفيدين الوصول إلى موارد
المكتبة دون الحاجة إلى زيارة المبنى الرئيسي.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتعزيز محو الأمية
الرقمية وتعليم الجمهور كيفية استخدام التقنيات الجديدة بشكل فعّال. هذه الأنشطة
ليست فقط لتعزيز المعرفة التقنية، ولكنها تساعد أيضًا في بناء الثقة بين المكتبة
والجمهور، مما يزيد من ولاء المستفيدين ويعزز دور المكتبة كمركز للتعلم مدى الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق