يشهد السوق توسعًا ملحوظًا في انتشار الأجهزة
"الذكية" المتصلة بالإنترنت، الأمر الذي يتيح للمستهلكين وللشركات فرصًا
واسعة لتعزيز مستوى الراحة ورفع كفاءة الأداء. وفي إطار إنترنت الأشياء (IoT) برزت
صناعة متنامية تتمحور حول أجهزة متخصصة في مراقبة جسم الإنسان ونقل البيانات
الحيوية عبر الشبكة. ويُعرف هذا التطور المتقدّم باسم "إنترنت
الأجسام " (Internet of Bodies - IoB)، وهو يشمل طيفًا متزايدًا من الأجهزة التي تجمع بين البرمجيات
والأجهزة وتقنيات الاتصال لتتبع البيانات الصحية الشخصية، وتقديم العلاجات
الحيوية، فضلًا عن تحسين الراحة الجسدية والدعم الصحي وتعزيز الرفاهية العامة.
وفي هذا السياق، ينظر إلى إنترنت الأجسام غالبًا بوصفه مصدرًا
ثريًا بالبيانات التي تسهم في تغذية حلول إنترنت الأشياء. إذ تستطيع المكوّنات
المصغّرة القابلة للارتداء – سواء جاءت في صورة ساعات أو أساور أو نظارات ذكية –
أن تسجّل البيانات على مدار الساعة، مما يوفر مادة معلوماتية بالغة الأهمية
لتطبيقات إنترنت الأشياء.
وعلى الرغم من تعدد التخصصات التي تتناول هذه التقنية وما تتيحه
من تطبيقات عملية واسعة النطاق، فإن ثمة حاجة ملحّة إلى بحث سُبل توظيفها في بيئة
المكتبات، بما يمكّنها من استثمار هذه التكنولوجيا الحديثة إلى أقصى حد، والبقاء
على تواصل فعال ومواكب لتطلعات مستخدميها. غير أنّ هذه الفوائد لا تخلو من جوانب
معقدة؛ إذ تثير التقنية قضايا أمنية وأخلاقية تستدعي التعامل معها بوعي وحذر.
ومن هذا المنطلق، يتناول موضوع هذا الشهر كيفية تطويع إنترنت
الأجسام لتعزيز خدمات المكتبات، مع تسليط الضوء على التحديات الأمنية والأبعاد
الأخلاقية المرتبطة بها.
ما هو إنترنت الأجسام؟
إنترنت الأجسام (Internet of Bodies – IoB) هو
مفهوم حديث يشير إلى منظومة تكنولوجية متقدمة تقوم على دمج الأجهزة الذكية المتصلة
بالإنترنت مع جسم الإنسان مباشرةً، بغية جمع البيانات الصحية والشخصية ونقلها عبر
الشبكة. وتشمل هذه المنظومة طيفًا واسعًا من الابتكارات، مثل الأجهزة القابلة
للارتداء، والرقاقات المزروعة، والمستشعرات الحيوية، وكلها تهدف إلى تحسين مختلف
الجوانب المتصلة بالصحة الجسدية والنفسية وجودة الحياة.
وقد صُمّمت هذه الأجهزة لمتابعة مؤشرات حيوية دقيقة، كقياس معدل
ضربات القلب، ومستوى السكر في الدم، ودرجة حرارة الجسم، إضافةً إلى مراقبة النشاط
البدني اليومي للفرد. وتُستخدم هذه البيانات في مجالات متعددة، بدءًا من توفير
رعاية طبية أكثر دقة وتخصيصًا، وصولًا إلى تعزيز الراحة الجسدية، وتحسين الأداء
البدني، ودعم الرفاهية العامة.
إنترنت الأجسام ليس مجرد تطور تقني، بل يمثل تحولًا جذريًا في
كيفية التعامل مع المعلومات الشخصية الصحية وإدارتها. وعلى الرغم من الفوائد
الكبيرة التي قد يحملها في مجالات مثل الطب الشخصي والرعاية الصحية الذكية، إلا
أنه يطرح أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بالخصوصية والأمان. هذه التكنولوجيا تحمل معها
إمكانية تحسين تجربة المستخدم في العديد من المجالات، بما في ذلك خدمات المكتبات،
حيث يمكن أن تساهم في توفير تجارب أكثر تخصصًا وملاءمة للأفراد. ومع ذلك، فإن
تطبيقاتها تتطلب تفكيرًا دقيقًا لضمان حماية البيانات الشخصية والحفاظ على
المعايير الأخلاقية في استخدامها.
أمثلة على تقنية إنترنت الأجسام في المكتبات
1. الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء
تُعد الأجهزة القابلة للارتداء ثمرة لتطور تقنيات تصغير
الحواسيب والتقدم المستمر في تطوير أجهزة الاستشعار، حيث تتيح إمكانية دمج عناصر
وظيفية من المعدات الإلكترونية وارتدائها مباشرةً على الجسم أو الملابس. وغالبًا
ما تأخذ هذه الأجهزة أشكالًا متنوعة مثل:
- النظارات الذكية على غرار Google Glass.
- الساعات والأساور الذكية.
- الأحذية المزوّدة بأجهزة
استشعار مثل منتجات Nike .
- وغيرها من الابتكارات
المماثلة.
تتيح هذه الأجهزة جمع بيانات متنوّعة تتعلق بموقع المستخدم،
وأنشطته اليومية، وحالته الصحية، وجدوله الزمني، بل وحتى حالته المزاجية. ويتيح
هذا المجال الواسع لمقدمي الخدمات إمكانية تخصيص العروض بما يلائم احتياجات
الأفراد بدقة. ورغم إمكانية توفير بعض هذه الخدمات من خلال الأجهزة المحمولة
التقليدية كالهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي، فإن ميزة الحوسبة القابلة للارتداء
تكمن في جعل عملية جمع البيانات وتقديم الخدمات أكثر سلاسة وطبيعية وراحة
للمستفيدين.
وفي سياق المكتبات، يمكن للطلاب وزوار المكتبة الاستفادة من
الأجهزة القابلة للارتداء مثل:
- النظارات الذكية والواقع
المعزز: إذ
تتيح عرض طبقات من المعلومات الرقمية فوق الكتب أو الرفوف، مما يساعد
المستفيد على الوصول إلى المواد المطلوبة بسرعة وسهولة.
- الساعات الذكية: حيث
يمكن أن يستقبل المستفيد من خلالها إشعارات وتنبيهات بشأن توفر الكتب، أو
تذكيرات بانتهاء فترات الإعارة.
- السماعات الذكية: التي تتيح إرشاد المستخدمين
وتقديم معلومات آنية حول فعاليات المكتبة أو الجلسات المتاحة.
كما يمكن لهذه الأجهزة أن تسهّل
التنقل داخل المكتبة؛ إذ توجه النظارات الذكية المستفيد إلى مواقع الكتب أو
الأقسام المختلفة، بينما تعرض الساعات الذكية جداول الأنشطة الجارية، مما يعزز
تجربة الاستخدام ويجعلها أكثر تفاعلية وثراءً.
فيديو توضيحي للأجهزة القابلة للارتداء
2. الأجهزة المزروعة (Implantable Devices)
هي تُعرف أيضًا بالأجهزة القابلة للزرع، وتمثل مرحلة متقدمة في
مسار التطور التكنولوجي. إذ تُزرع هذه الأجهزة تحت الجلد أو داخل الجسم لدعم وظائف
حيوية أو لتوفير بيانات دقيقة. ورغم أن تطبيقاتها لا تزال في مراحلها الأولى،
فإنها تَعِد بإمكانات مستقبلية واعدة في تعزيز خدمات المكتبات؛ كإتاحة أساليب
جديدة للتعرّف على هوية المستفيد، أو تسهيل الدخول والخروج، أو تزويد المستفيد
بمعلومات وخدمات مخصصة ترتبط مباشرة باحتياجاته الفردية.
تطبيقات الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء
في تعزيز خدمات المكتبات
تتيح الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء إمكانات واسعة
لتعزيز تجربة المستفيدين داخل المكتبات، وذلك من خلال توظيفها في أداء مهام ذكية
ومتنوعة. ومن أبرز هذه التطبيقات ما يلي:
1. تحديد الموقع والتنقل الذكي
يمكن الاستفادة من تقنية iBeacon
لتحقيق
تحديد دقيق للمواقع داخل المكتبة، وذلك من خلال نشر أجهزة iBeacon لالتقاط إشارات الأجهزة القابلة للارتداء والتعرّف على مواقع مستخدميها
في الزمن الحقيقي. وقد طورت شركة Zhishi
Technology في الصين نظامًا متقدّمًا للتحديد المكاني باستخدام بوابة Bluetooth
CloudBeacon
وأساور
ذكية، يتيح تتبع مواقع المستخدمين وجمع بياناتهم الحيوية.
في سياق المكتبات، يمكن لهذه التقنية أن تُمكّن من:
- إرسال المعلومات والإشعارات
للمستفيد وفق موقعه الجغرافي (مثل الترحيب عند الدخول، أو عرض المستجدات عند
الوقوف أمام رف معيّن).
- توجيه المستفيدين إلى مواقع
الكتب والأقسام المختلفة بسهولة وسرعة.
- تسهيل التنقل داخل المكتبة
بما يعزز التجربة ويوفر الوقت والجهد.
2. خدمات معلوماتية مخصصة
تستطيع المكتبات من خلال المستشعرات الذكية
المدمجة في الأجهزة القابلة للارتداء جمع وتحليل بيانات المستفيدين، كأنماط
القراءة والاهتمامات الخاصة. ويتيح تحليل هذه البيانات باستخدام تقنيات البيانات
الضخمة والحوسبة السحابية تقديم توصيات وخدمات مصممة بما يتناسب مع احتياجات كل
مستفيد على حدة.
3. الإرشاد
المتنقل للمستفيدين
يمكن دمج الأجهزة القابلة للارتداء في خدمات الإرشاد المرجعي
المتنقل، بحيث يتمكّن اختصاصي المكتبات من مساعدة المستفيدين أثناء تجولهم داخل
المكتبة. وتتيح هذه الأجهزة للمكتبيين الوصول الفوري إلى المصادر المعلوماتية
وتقديم الدعم بشكل مرن وسريع، مما يرفع من جودة الخدمة ويعكس صورة حديثة ومتطورة
للمكتبة.
4. إنتاج محتوى تعليمي تفاعلي
توفر الكاميرات القابلة للارتداء إمكانية تسجيل مقاطع فيديو
تعليمية من منظور المستفيد الأول، توضّح كيفية استخدام الخدمات المختلفة، مثل
البحث عن الكتب أو التعامل مع أجهزة الإعارة الذاتية. ويمكن نشر هذه المقاطع على
موقع المكتبة أو ربطها عبر رموز QR ليتمكّن
المستفيدون من الوصول إليها عند الحاجة.
5. دعم مستخدمي المكتبات من ذوي الهمم
تعد الأجهزة القابلة للارتداء أداة فعّالة لتقديم حلول مبتكرة
لذوي الاحتياجات الخاصة. فمن خلال دمجها مع تقنيات اللمس أو الاستشعار الصوتي،
يمكنها تسهيل التنقل والوصول إلى المصادر. كما يمكن تحويل النصوص إلى إشارات بصرية
أو لمسية لدعم المكفوفين وضعاف السمع.
ومن الأمثلة الرائدة على ذلك ما تقوم به مكتبة St. Clair County Library System في
ولاية ميشيغان، حيث وفّرت جهاز OrCam المعتمد على الذكاء الاصطناعي
لمساعدة المكفوفين وضعاف البصر. يُثبَّت الجهاز على النظارات ويقوم بقراءة النصوص
بصوت مسموع، والتعرّف على الوجوه، وتحديد المنتجات، مما يمنح المستخدمين استقلالية
أكبر في التعامل مع الكتب والمستندات داخل المكتبة.
فيديو توضيحي عن OrCam MyEye
6. التعليمات الاستباقية
تقديم تعليمات تلقائية للمستفيدين أثناء استخدام الخدمات، مثل
خطوات الإعارة الذاتية، أو كيفية استخدام الأجهزة.
7. التوثيق بدون استخدام اليدين
إمكانية قيام موظفي المكتبة أو المستخدمين بتسجيل ملاحظات أو
ملخصات صوتيًا أثناء البحث دون الحاجة لاستخدام لوحة مفاتيح.
تسجيل عمليات الجرد أو الصيانة بشكل تلقائي أثناء العمل.
التحديات الأخلاقية والأمنية
رغم الفوائد المحتملة لتقنيات إنترنت الأجسام في المكتبات، إلا
أن هناك تحديات أخلاقية وأمنية يجب أخذها في الاعتبار:
1.
الخصوصية
وحماية البيانات:
o جمع البيانات الشخصية من خلال أجهزة إنترنت الأجسام
يثير تساؤلات حول الخصوصية. يجب على المكتبات أن تكون حريصة في كيفية جمع واستخدام
هذه البيانات، وأن تلتزم بأعلى معايير حماية البيانات لضمان عدم إساءة استخدامها.
يجب أن تكون هناك سياسات واضحة وشفافة حول كيفية استخدام البيانات وما إذا كانت
ستُشارك مع أطراف ثالثة.
2.
التكلفة
والبنية التحتية:
o تطبيق تقنيات إنترنت الأجسام يتطلب استثمارات كبيرة
في البنية التحتية التقنية والتدريب. تحتاج المكتبات إلى تقييم الجدوى الاقتصادية
لهذه التقنيات وكيفية تمويلها. كما أن تبني هذه التقنيات قد يتطلب تغييرات في
الهياكل التنظيمية وإعادة تأهيل الموظفين للتعامل مع التكنولوجيا الجديدة.
3.
الأخلاقيات
في جمع البيانات واستخدامها:
o ينبغي على المكتبات أن تضع معايير أخلاقية عند جمع
البيانات باستخدام تقنيات إنترنت الأجسام. يجب أن يكون هناك توازن بين تحسين خدمات
المكتبة والحفاظ على حقوق الأفراد في الخصوصية. يتطلب ذلك وضع سياسات وضوابط شديدة
لتجنب الانتهاكات المحتملة لخصوصية المستخدمين.
وأخيرا، تقنيات إنترنت الأجسام
تفتح آفاقًا جديدة للمكتبات لتحسين خدماتها وتقديم تجربة مستخدم متطورة وشخصية.
ومع ذلك، فإن النجاح في تطبيق هذه التقنية يتطلب موازنة دقيقة بين الابتكار
والمسؤولية، وضمان حماية خصوصية وأمن المستخدمين. مع استمرار تطور هذه التقنية،
ستكون المكتبات مطالبة بتكييف استراتيجياتها لاستغلال الفرص الجديدة التي تقدمها،
مع مواجهة التحديات المرتبطة بها بحذر وحكمة.
المصادر
Wearable
computing in libraries – applications that meet the needs of users and
librarians
Wearable
Computing in Industrial Service Applications
Smart
Library Management and Service Based on Wearable Technology
OrCam
Readers to Aid Those with Visual Impairment Purchased Through Grant
Nine
Libraries Receive 2019-20 Grants to Improve Literacy, Support Community Ties
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق