منذ تطور الإنترنت
وحتى الآن، احتلت العديد من التقنيات المبتكرة مكانها في المشهد الرقمي. اكتسبت
التكنولوجيا الرقمية اهتمامًا كبيرًا بعد جائحة كوفيد-19. بدأت تقنية الميتافيرس
بالتغلغل في مختلف القطاعات، وبدأت شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك، مايكروسوفت،
جوجل، وإنفيديا في الاستثمار في هذه التكنولوجيا. يعرف الميتافيرس بأسماء مختلفة
مثل عالم المرآة، العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد، وامتداد الإنترنت.
ازداد شعبية مفهوم
الميتافيرس بعد الجائحة بسبب الاعتماد الواسع على وسائل التواصل الرقمية عبر
الإنترنت. الفكرة ليست جديدة ولكنها اكتسبت اهتمامًا كبيرًا بعد أن أعلنت فيسبوك
في 28 أكتوبر 2021 أنها ستعيد تسمية الشركة إلى "ميتا"، وهو ما يُنظر
إليه كتطور نحو الميتافيرس. في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تنبأ مجتمع
التكنولوجيا بأن الميتافيرس سيكون التطور المستقبلي للإنترنت. كما تم القيام
بمحاولات سابقة مثل "الحياة الثانية" (Second Life)،
وهي تقنية طورتها شركة ليندن لاب (Linden Lab) والتي قدمت للأشخاص إمكانية إنشاء
أفاتار افتراضي لأنفسهم والعيش في حياة ثانية في العالم الافتراضي.
مصطلح "الميتافيرس"
استُخدم لأول مرة في رواية الخيال العلمي "Snow Crash" للكاتب نيل ستيفنسون
في عام 1992، لوصف عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، حيث يمثل الأشخاص على شكل أفاتار
ويتفاعلون مع بعضهم البعض. قدمت الرواية لمحة عن الميتافيرس، حيث يدخل البشر إلى
العالم الافتراضي عبر أفاتارات رقمية باستخدام معدات الواقع الافتراضي ويبدؤون في
العيش في الميتافيرس. كانت فكرة ستيفنسون عن الميتافيرس محدودة بسماعات الواقع
الافتراضي، لكن الميتافيرس الحديث يمثل الآن دمج لمجموعة متنوعة من التقنيات التي
تتضافر معًا لإنشاء تجربة مستخدم جيدة تجسر الفجوة بين العالم الحقيقي والافتراضي.
مثل تقنية الذكاء الاصطناعي، البلوكشين، والعملات المشفرة، والواقع المعزز (AR) والواقع
الافتراضي (VR)، إنترنت الأشياء (IoT): ، البناء ثلاثي الأبعاد. بحيث تعطي رؤية أوسع
لتجربة المستخدم.
الميتافيرس تعني ما
وراء الكون. "ميتا" تعني "ما وراء" و"فيرس" تعني
"الكون". وبعبارات عامة، يعرف
الميتافيرس بأنه عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد مفتوح ومتاح، حيث يمكن للمستخدمين
إنشاء أفاتارات رقمية خاصة بهم للتفاعل مع الآخرين افتراضيًا والانغماس في أداء
أنشطة افتراضية تمنحهم تجارب واقعية.
يوفر الميتافيرس
تجربة جديدة تعتمد على تكنولوجيا الواقع المعزز، وينشئ صورة مرآة للعالم الحقيقي
بناءً على تكنولوجيا التوأم الرقمي، ويبني نظامًا اقتصاديًا يعتمد على تكنولوجيا
البلوكشين، ويدمج بشكل محكم بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي في النظام
الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، ونظام الهوية، مما يسمح لكل مستخدم بإنتاج المحتوى
وتحرير العالم.
الميتافيرس
والعالم الافتراضي
الميتافيرس
والعوالم الافتراضية هما مفهومان اكتسبا أهمية في النقاشات حول المشهد الرقمي، حيث
يقدمان أبعادًا جديدة للتفاعل والمشاركة للمستخدمين. فالميتافيرس هو فضاء افتراضي
مشترك يهدف إلى إنشاء شعور بالحضور والانغماس الذي لا يمكن تحقيقه من خلال
التفاعلات التقليدية عبر الإنترنت. يمكن للمستخدمين التفاعل مع بعضهم البعض ومع
الكائنات الافتراضية داخل هذا الفضاء، مما ينشئ تجربة واقعية. هذا يعني ضمنيًا أن
الميتافيرس يشير إلى مساحة مشتركة افتراضية جماعية، تدمج بين الواقع الفعلي
والواقع الافتراضي، حيث يمكن للمستخدمين التفاعل مع بعضهم البعض ومع الكائنات
الرقمية في الوقت الفعلي.
بدأت
المكتبات بالفعل في استكشاف إمكانات الميتافيرس لتحسين تجارب المستخدمين وتوفير
الوصول إلى المعلومات. حيث يمكن لتكنولوجيا الواقع الافتراضي أن تعزز برامج وخدمات
المكتبات، مثل خدمات الاستعلام الافتراضية، والجولات الافتراضية للمكتبات، وبيئات
التعلم الافتراضية.
العوالم
الافتراضية هي بيئات رقمية تحاكي الواقع المادي، مما يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع
بعضهم البعض ومع المحيط باستخدام الشخصيات الافتراضية أو التمثيلات الرقمية. جددت
التقدمات في تكنولوجيا الواقع الافتراضي الاهتمام بمفهوم الميتافيرس. أصبح من
الواضح أن البيئات الافتراضية الواقعية لديها القدرة على إحداث ثورة في طرق
التواصل والتعلم وإجراء الأعمال. باستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي، يمكن
للمكتبات إنشاء بيئات تعليمية تفاعلية وجذابة، وإجراء جولات افتراضية لمساحات
المكتبة، وتقديم خدمات الاستعلام الافتراضية. وغيرها. وقد ذكر العديد من الباحثين في هذا المجال بأن تكنولوجيا
الواقع الافتراضي يمكن أن تحسن برامج وخدمات المكتبات من خلال توفير تجربة أكثر
جاذبية وتفاعلية لمستخدمي المكتبات. كما تمكن الميتافيرس في تعزيز استرجاع
المعلومات والوصول إليها، مما يوفر تجربة أكثر تفاعلية لمستخدمي المكتبات واستغلال
تكنولوجيا الواقع الافتراضي لتحسين الوصول إلى المعلومات.
إن
دمج المكتبات في العوالم الافتراضية هو مثال مقنع على كيفية تطور هذه المفاهيم
وتشكيل جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك الوصول إلى المعلومات ومشاركة المعرفة.
هذا الاندماج بين التكنولوجيا والتفاعل ونشر المعلومات يحمل الإمكانات لإعادة
تعريف الدور التقليدي للمكتبات وتعزيز الوصول في العصر الرقمي. تسلط هذه المفاهيم
الضوء على تطور المساحات الرقمية إلى مجالات ديناميكية وتفاعلية، مما يمهد الطريق
لتطبيقات مبتكرة مثل المكتبات داخل العوالم الافتراضية.
دور المكتبة في عالم الميتافيرس
تلعب
المكتبات دورًا حيويًا ومتنوعًا في عالم الميتافيرس، من خلال تبنيها المستمر
للتكنولوجيا الحديثة وتقليل الفجوة الرقمية بتوفير خدمات مثل الحاسبات الآلية
والاتصال بالإنترنت لمن لا يستطيعون تحمل تكاليفها. في هذا السياق، يمكن للمكتبات
تقليل فجوة الميتافيرس بتوفير أجهزة مثل نظارات الواقع الافتراضي واستوديوهات
الواقع الافتراضي والبرمجيات والبنية التحتية للميتافيرس، مما يمكّن المجتمع من
تجربة هذا العالم الافتراضي. قد تجذب هذه التجارب اهتمام المستخدمين بالمشاركة في
الاقتصاد الرقمي الافتراضي، الذي يتضمن إنشاء محتوى وسلع رقمية، مما يعزز الدخل
القومي للفرد.
يمكن
للمكتبة أن تقدم تمثيلًا رقميًا للمواد المكتبية وتجربة جديدة في الثقافة والتراث لمجتمعها،
وهو أمر أساسي لهوية الجيل القادم ولتفهم المجتمعات المختلفة لبعضها البعض. على
سبيل المثال، أطلقت وزارة الثقافة السعودية منصة "ميتافيرس التراث
السعودي"، كأول مبادرة وطنية من نوعها في هذا العالم الافتراضي، بدعم من نظام
الذكاء الاصطناعي لذكاء الوسائط التوليدي (GMI) وتقنية
"Hyperledger Fabric 2.5 blockchain"، وبالشراكة مع "droppGroup" و"droppPhygital" . تقدم المنصة مزيجًا من العروض الثقافية
والابتكار الرقمي، وتستضيف بيئة ديناميكية تتيح للمستخدمين تجربة أنشطة ومعالم
سياحية من احتفالات يوم التأسيس في الحياة الواقعية.
تشمل
مناطق الجذب الثقافية في المنصة مسيرة التاريخ، والقطاعات المخصصة للموسيقى،
والفن، والتاريخ، وفنون الطهي، والحرف اليدوية، بالإضافة إلى ألعاب الفيديو
المصغرة، والبث المباشر للأحداث، مثل حفل "سيمفونية البداية" ليوم
التأسيس. كما أطلقت مكتبة الإسكندرية تطبيق "متحف الآثار التخيلي" بصيغة
ملائمة لنظارات الواقع الافتراضي Oculus VR، والذي يتيح للمستخدمين زيارة متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
بتجربة فريدة من نوعها.
يمكن
للمستخدم تنزيل تطبيق "متحف الآثار التخيلي" من Oculus Store مجانًا، لزيارة متحف
الآثار في مكتبة الإسكندرية عبر نظارات الواقع الافتراضي، وتأمل القطع الأثرية
بتفاصيلها الدقيقة عن قرب، مع عرض بياناتها الأثرية نصيًا أو صوتيًا. تأتي هذه
المبادرة انطلاقًا من دور مكتبة الإسكندرية كمنارة للعلم والمعرفة، حيث تستمر في
دعم الابتكار وتسليط الضوء على التقدم التكنولوجي في مختلف المجالات.
يمكن
إنشاء عناصر ثقافية وتراثية أخرى كعناصر رقمية، مثل الملابس التراثية السعودية
كالعقال والبشت والغترة، وتقديمها كشخصيات افتراضية تعبر عن الهوية العربية
السعودية في بيئة افتراضية. يمكن استعارة هذه العناصر، بما في ذلك الكتب، وبيعها
كسلع رقمية. وعلى صعيد المكتبات يمكن استعارة الكتب من المكتبة وقراءتها على
الشاطئ الافتراضي، تحت الشمس الرقمية، كل ذلك من المنزل باستخدام الواقع
الافتراضي. يمكن أن تكون الكتب ذاتها على شكل محتوى رقمي تفاعلي، سواء كانت نصية
فقط أو وسائط مختلطة تتضمن الصور والصوتيات والفيديوهات والأجسام ثلاثية الأبعاد.
تقديم
المحتوى بطرق جديدة سيؤدي إلى تطوير الناشرين للكتب الرقمية وزيادة الطلب على
محتوى جديد يتطلب محتوى تفاعلي، مما يعزز الصناعة الإبداعية الرقمية المحلية.
يحتاج الجيل القادم الذي سيعمل في بيئة الميتافيرس إلى التعرض لتكنولوجيا الإبداع
الرقمي وصناعة الألعاب. يجب أن تجتمع مجموعات المكتبات لتخدم الفجوة المعرفية في
مجتمعنا لفهم عناصر الميتافيرس، متناولة مواضيع من إنشاء التكنولوجيا الافتراضية
والواقع المعزز إلى جوانب المجتمع الرقمي وقوانين وعدالة الفضاء السيبراني
الافتراضي.
إضافة
إلى استخدام تكنولوجيا مثل الواقع الافتراضي، فإن البرامج التوعوية والتعليمية تعد
مهمة لضمان استخدام أفضل وأكثر أمانًا للميتافيرس. يمكن بدء سلسلة من الندوات
والمحاضرات والمنتديات لعرض إمكانيات الميتافيرس وتمكين الزوار من النظر فيه. يمكن
للمكتبة أن تلعب دورًا أساسيًا في جمع المستفيدين لمناقشة القضايا والتحديات في
الميتافيرس، مما يعزز التفاعل المجتمعي ويساهم في بناء مستقبل مشترك في هذا العالم
الافتراضي.
آفاق
الميتافيرس في خدمات المكتبات والمعلومات
يشكل
الميتافيرس تحولًا جذريًا في مجال التكنولوجيا الرقمية، مما يوفر إمكانيات لا
محدودة لتطوير خدمات المكتبات والمعلومات. وبما أن الميتافيرس هو عالم افتراضي
مشترك يجمع بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيث يمكن للمستخدمين التفاعل
بشكل متزامن مع بيئات وأشخاص رقمية ثلاثية الأبعاد. وبذلك تبدأ المكتبات في
استكشاف كيفية دمج الميتافيرس في خدماتها لتعزيز تجربة المستفيد وتوفير وصول أكثر
شمولية للمعلومات والمعرفة.
تشمل آفاق
الميتافيرس في خدمات المكتبات والمعلومات العديد من الفوائد والإمكانات. أولاً،
يمكن للميتافيرس أن يوفر بيئات تعليمية مبتكرة، حيث يمكن للطلاب والباحثين حضور
محاضرات وورش عمل افتراضية تفاعلية تتجاوز القيود الجغرافية والزمنية كما يمكن
توفير مساحات افتراضية للطلاب في الميتافيرس للتعاون والتفكير والمناقشة حول
المشاريع الجماعية. ثانيًا، يمكن للميتافيرس أن يسهم في إنشاء مساحات
افتراضية تفاعلية للمكتبات الرقمية، مما يتيح للزوار استكشاف مجموعات المكتبة
والتفاعل مع الموارد بطرق جديدة ومحفزة.
ثالثا يمكن توفير
خدمات المراجع الافتراضية، حيث يلتقي المستفيدين مع مسئول الخدمة المرجعية من خلال
بيئة الميتافيرس، حيث يكون ذلك أقرب بكثير إلى الاجتماع الشخصي. يعزز الميتافيرس زيارة اختصاصي المكتبات
والمستفيدين معًا في المكتبة الافتراضية ثلاثية الأبعاد باستخدام صورهم الرمزية
الافتراضية لحل استفسارات المستخدمين وتقديم المساعدة الشخصية لهم في الوقت
الفعلي. يُعد الميتافيرس تطورًا لنموذج الواقع الافتراضي ثنائي الأبعاد ويمكن أن
يوفر تجربة أكثر تفاعلية لاختصاصي المكتبات والمستفيدين.
علاوة على ذلك،
يمكن أن يعزز تجربة المستفيد من خلال تقديم جولة افتراضية في المكتبة ثلاثية
الأبعاد، حيث يمكن للمستفيدين عبر صورهم الرمزية الافتراضية الدخول إلى العالم
الافتراضي للمكتبة ثلاثية الأبعاد للتعرف على الأقسام المختلفة للمكتبة، والمرافق،
والموارد، والخدمات. سيعطي ذلك تجربة مستفيد أكثر تخصيصًا بدلاً من مشاهدة فيديو
في المكتبة. يمكن للمستفيدين تجربة سيناريوهات واقعية. على سبيل المثال، خلال
برنامج توجيه المستفيدين، بدلاً من المرور بعرض تقديمي طويل عن المكتبة، يمكن
تقديم جولة افتراضية لمرافق المكتبة، والتعرف على مستفيدين آخرين في مساحة
افتراضية مشتركة والحصول على تجربة حقيقية للمكتبة، حيث يمكن لمحترفي المكتبة عرض
وتوضيح الموارد والخدمات للمستخدمين بشكل أفضل
بالإضافة إلى
ذلك، يمكن أن يدعم جهود المكتبات في التفاعل مع المجتمعات المحلية من خلال إنشاء
فعاليات ومعارض افتراضية جذابة تعكس التراث الثقافي والمحتوى التعليمي المتنوع.
يُعتبر الميتافيرس مكانًا مثاليا لتنظيم هذه المعارض التي توفر تجربة أكثر تفاعلي
لمستخدمي المكتبة. هذا النوع من الأنشطة يمكن أن يجذب فئات جديدة من الجمهور،
وخاصة الشباب الذين يميلون إلى التفاعل مع التكنولوجيا الحديثة.
وأخيرا
يمكن أن تكون المكتبات أكثر سهولة للوصول للأشخاص ذوي الهمم في الميتافيرس،
حيث يمكن للشخص القيام بجولة افتراضية في المكتبة. تتيح تطبيقات الواقع المعزز مثل
TapTapSee للمستخدمين توجيه هواتفهم نحو أي شيء لوصفه بشكل أفضل وتعزيز الحركة لتحسين
الوصول في الميتافيرس. لذلك يمكن أن تقلل التكنولوجيا المستخدمة في الميتافيرس مثل أدوات
الصوت ثلاثية الأبعاد والقوائم الصوتية الوصفية، وأدوات التغذية اللمسية تلك
العوائق.
ومن الأمثلة
البارزة على ذلك مكتبة دونغسان في جامعة كيميونج في كوريا الجنوبية التي أطلقت
مكتبة افتراضية تعكس مبنى المكتبة الواقعي وتقدم خدمات مكتبية حية عبر منصة Zepetto.
مكتبة
الميتافيرس (دونغسان فيليب)
المصادر
إطلاق منصة «ميتافيرس
التراث السعودي»
“زيارة عبر الواقع
الافتراضي” ..مكتبة الإسكندرية تُطلق تطبيق “متحف الآثار التخيلي”
Metaverse libraries:
Communities as resources
Moving into the
metaverse: libraries in virtual worlds
Imagining the
Prospects and Possibilities of Metaverse in Library and Information Services
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق