في ظل التحولات التكنولوجية المتزايدة التي يشهدها العالم، نقف على أعتاب ثورة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، تضاهي في تأثيرها الأيام الأولى للثورة الكهربائية، حيث تتنافس الشركات التكنولوجية الكبرى في هذا المجال، ساعية لتكون في طليعة الثورة القادمة من خلال تطوير نظم ذكاء اصطناعي قادرة على أداء المهام التي كانت في السابق محصورة بالذكاء البشري.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيُحدث تغييرًا جوهريًا في طريقة عمل
المكتبات، إلا أن هذه المؤسسات الثقافية لن تُختفي، بل ستظل ركيزة أساسية في
المشهد المعرفي. ومع ذلك، فإن المكتبات تواجه تحديات متعددة عند محاولة تبني هذه
التقنيات الجديدة وتسخيرها لتحسين خدماتها. تتراوح هذه التحديات بين القيود
التقنية وتعقيدات قضايا الخصوصية والاعتبارات الأخلاقية.
يتناول هذا الموضوع جانباً من هذه
التحديات، مسلطاً الضوء على التعقيدات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي إلى عالم
المكتبات، ومستكشفاً كيف يمكن لهذه المؤسسات العريقة أن تتكيف وتزدهر في عصر
الثورة الرقمية الجديدة.
تحديات تواجه المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي
1. تغير الطرق التقليدية للبحث:
قد يؤدي توفر محركات البحث القوية والذكاء الاصطناعي إلى انتقال جزء كبير من البحث
العام إلى البحث عبر الإنترنت وأدوات الذكاء الاصطناعي العامة. قد يتسبب ذلك في تحديات للمكتبات في جذب القراء
والباحثين إليها، لذلك ينبغي للمكتبات
من دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في طرق البحث لديها مما يعمل على تحسين كفاءة ودقة
استرجاع المعلومات.
2. توفر المحتوى الرقمي الواسع:
مع تزايد كمية المحتوى الرقمي المتاح عبر الإنترنت، يمكن للأفراد الوصول إلى
الكثير من المعلومات من مصادر أخرى بدون الحاجة لزيارة المكتبة. قد يتطلب من
المكتبات تكييف خدماتها وتقديم محتوى رقمي متميز ومتنوع لجذب الجماهير والحفاظ على
أهميتها مثل الاستثمار في المحتوى
المتعدد الوسائط، أو تنظيم الفعاليات الرقمية مثل: ورش العمل
والمحاضرات والمناقشات الحية عبر الإنترنت، مما يسهم في إثراء المعرفة وتواصل
المجتمع الثقافي.
3. تغير دور المكتبة: قد
يتطلب الذكاء الاصطناعي تغيير دور المكتبة من مجرد مساحة لتخزين الكتب إلى مركز
للابتكار والتعلم المستمر. مثل خدمات الطباعة ثلاثية الأبعاد والمساحات الإبداعية،
واستعارة الأجهزة الإلكترونية، وتنظيم الفعاليات الثقافية والتعليمية. هذا التطور
يعكس التزام المكتبات بتلبية احتياجات المجتمع المتغيرة ودعم الابتكار والتعلم مدى
الحياة .
4. خصوصية المستخدمين : عند
تغذية كميات هائلة من البيانات، يبدأ الذكاء الاصطناعي في النهاية في التعرف على
مجموعات بيانات محددة من خلال التعلم الآلي، ونظرًا لأن التعلم الآلي يتطلب
كميات ضخمة من البيانات ليكون فعالًا، فقد أصبحت البيانات الشخصية سلعة رائجة يمكن
إساءة استخدامها للقيام بأنشطة غير لائقة. خصوصية البيانات، التي كانت دائمًا
رصيدًا قيمًا للمكتبات، قد تتعرض للخطر بسبب الذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الأكثر
خطورة في البيئة التكنولوجية اليوم.
علاوة على ذلك، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان أن تتصرف بطرق يصعب
التنبؤ بها أو فهمها، مما يؤدي إلى مشاكل أخلاقية محتملة. على سبيل المثال، غالبًا
ما يتم اتهام أنظمة الذكاء الاصطناعي بالتحيز. يمكن أن تكون هذه التحيزات نتيجة
للبيانات المستخدمة لتدريب نظام الذكاء الاصطناعي. إذا كانت البيانات متحيزة،
فسيكون نظام الذكاء الاصطناعي متحيزًا أيضًا. وفي سياق
المكتبات، إذا تم استخدام نظام الذكاء الاصطناعي للتوصية بالكتب ، فكيف يمكننا
التأكد من أن هذه التوصيات عادلة وغير متحيزة؟ هذا سؤال معقد يجب على المكتبات
التعامل معه أثناء دمجها لأدوات الذكاء الاصطناعي. ومن الأهمية التأكد من أن أنظمة
الذكاء الاصطناعي مدربة على بيانات متنوعة وتمثيلية لتجنب أي تحيز محتمل في
التوصيات.
5. الجانب المالي :
في ظل الصعوبات المالية والتحديات التي تواجه المكتبات والمؤسسات الثقافية على
الصعيد العالمي، يجب أن نتفهم أهمية تكييف هذه المؤسسات مع التغيرات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية، والاستفادة من التقنيات الحديثة لتعزيز أداء المكتبات
وتجربة المستخدمين. يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي واحدًا من هذه التقنيات التي
توفر الفرص للمكتبات لتحقيق تحسينات كبيرة في أنظمتها وخدماتها. لكن
من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب توفير المعلومات والمعرفة المناسبة للمكتبات وموظفيها
حول الفوائد العملية والتوفيرات المالية التي يمكن تحقيقها باستخدام تقنيات الذكاء
الاصطناعي. يجب أن يتم توجيه الانتباه نحو الأبحاث والتطوير في هذا المجال، وتعزيز
الحوار والتواصل بين الخبراء والمكتبات لتبادل المعرفة وتوضيح فوائد تلك التقنيات. بالإضافة
إلى ذلك، يجب توافر التمويل اللازم للمكتبات لما له من أهمية كبيرة من أجل الاستثمار
في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في أنظمتها. يمكن أن يكون ذلك من خلال تحسين
التمويل العام المخصص للمكتبات، أو بالاستفادة من الشراكات مع القطاع الخاص أو
المنظمات ذات الصلة أو المنح.
6. فقدان الوظائف: في أنحاء العالم المختلفة، يعرب العديد من اختصاصي المكتبات
عن قلقهم من إمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على بيئة العمل، مما قد يؤدي إلى فقدانهم
لوظائفهم نتيجة لتفوق الذكاء الاصطناعي في العديد من المهام التي كانت تعتمد بشكل أساسي
على البشر. تشير الدراسات الحديثة إلى أن 38% من الوظائف في الولايات المتحدة مهددة
بالأتمتة. في ظل هذا التحول، ستحتاج المكتبات إلى إعادة تصميم خدماتها لتلبية احتياجات
العاملين الذين قد يفقدون وظائفهم. لكن التحدي لا يكمن في اختفاء المهنة، بل في تحول
طبيعتها. ستظل المكتبات بحاجة إلى اختصاصيين مبدعين قادرين على تطوير الأنظمة المعقدة
وإدارة الابتكار في هذا المجال. قد يكون هذا التحول مصدر قلق للبعض، إلا أنه يمثل فرصة
كبيرة للإبداع والابتكار. من خلال الاستفادة من الأدوات الذكية، يمكن للمكتبات أن تتطور
بشكل يتجاوز ما كان ممكنًا في الماضي، مما يتيح لاختصاصيي المكتبات فرصة التحرر من
الأعمال الروتينية والتركيز على الأبعاد الإبداعية والاستراتيجية في عملهم.
7. الفهم الرقمي لأدوات
الذكاء الاصطناعي : تشهد
المكتبات اهتمامًا متزايدًا بتنفيذ عمليات مبتكرة واستخدام التطبيقات التكنولوجية
المتقدمة. ومع ذلك، فإن العديد من المكتبات تواجه صعوبة في فهم واستخدام هذه
الأدوات، مما يؤدي إلى تباين كبير في مستوى المهارات بين موظفي المكتبات مما يعتبر
تحديًا إضافيًا نظرًا للفجوات الموجودة في مهارات القراءة والكتابة الرقمية.
ولتعزيز فهم واستخدام أدوات
الذكاء الاصطناعي، تحتاج المكتبات والمؤسسات الثقافية إلى توفير فرص تعليمية
وتدريبية مناسبة لموظفيها. يمكن تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تطوير
مهارات القراءة الرقمية وفهم الأدوات التكنولوجية المتقدمة. يمكن أيضًا استخدام
الشراكات مع المؤسسات التعليمية أو الخبراء في مجال التكنولوجيا لتوفير التوجيه
والدعم في هذا الصدد.
علاوة على ذلك، يمكن استكشاف
إمكانية تطوير واجهات مستخدم سهلة الاستخدام ومبتكرة لأدوات الذكاء الاصطناعي
الموجودة في المكتبات. ينبغي أن تكون تلك الواجهات بديهية ومبسطة، مما يساعد على
تجاوز الصعوبات المرتبطة بالمهارات التقنية المتقدمة.
8. اللمسة الإنسانية في عالم
ملئ بالرقمنة
على الرغم من التحول الرقمي الذي
يشهده العالم ، إلا أنه لا يوجد حتى الآن بديل للمسة البشرية ، وهذا شيء تتقنه
المكتبات بشكل حقيقي. فالمكتبات لا تقتصر فقط على الكتب، بل تتعلق بربط الأشخاص،
وتقديم المساعدة المصممة خصيصا، وإشراك الجميع في المجتمع. اختصاصي المكتبات مهمون
للغاية لأنهم يفعلون أكثر من مجرد توجيه المستفيد إلى الرف الصحيح للكتب، بل يساعدون الجميع على اكتشاف المعلومات. يبدأ هذا
الاتصال البشري والتوجيه وسلوكيات التعاطف من اختصاصي المكتبات يقل بسبب كفاءة الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي
إلى مستقبل يتخلى فيه الارتباط البشري في المكتبة والصفات الإنسانية عن قيمتها. يتفوق البشر على الآلات لأن لديهم عواطف ويمكنهم
الشعور بمشاعر بعضهم البعض. التعاطف هو سمة أساسية لأي موظف في المكتبة؛ فهو يجعل
توفير موارد وخدمات المعلومات أفضل ويؤدي إلى تلبية احتياجات المستخدمين من
المعلومات. لا ينبغي السماح للذكاء الاصطناعي بأخذ القيم على أساس الوصول إلى
المعلومات وتبادل تلك المعلومات، ولكن يجب إشراكه في القيام بالأشياء، للمساعدة في
معالجة الوظائف بشكل مختلف.
المصادر
·
The
Library of the Future: AI in Public Libraries
·
Libraries
In The Age Of AI: More Than Just Books
·
AI to
replace 38% of US jobs by 2030: How will healthcare fare?
·
38% of
American Jobs Could be Replaced by Robots, According to PwC Report
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق