غالباً ما يتبادر إلى الذهن عندما
نسمع كلمة رشاقة تلك الصورة المثالية للجسد الممشوق الذي يتميز بخفة
الحركة وجمال المظهر، وهي حلم بالنسبة للكثيرين لا يصل إليه إلا الشخص الملتزم
بالتمارين الرياضية وممارسة نمط الحياة الصحي. ولكن هذا المفهوم لا يقتصر على هذه
الصورة فحسب، إذ يمكن للمؤسسات والهيئات ومن ضمنها المكتبات أن تكون رشيقة أيضاً. والرشاقة
في سياق المكتبات هو أن تكون قادرًا على التحرك والتكيف والتحسين المستمر، وإنشاء
قيمة أفضل للمستخدمين وفقًا لاحتياجاتهم . ونحن الآن نعيش عصر "المكتبات
الرشيقة" التي تتحرك بسرعة فائقة لاصطياد الفرص، وتمتلك المرونة الكافية
لتغيير اتجاهاتها واستراتيجياتها بما يتناسب مع معطيات ومستجدات العصر، مكتبة
تراقب بصفة مستمرة نموها وتطور أدائها وأداء موظفيها، لتتأكد من أنها تسير في
الاتجاه الصحيح، مكتبة تستثمر بشكل جيد في توظيف وسائل وأدوات التكنولوجيا بما
يمكنها من أداء خدماتها بأعلى مستويات الكفاءة والسرعة والجودة. ومن
المستحيل الحديث عن المكتبات هذه الأيام دون الحديث عن التغيير. ومع تغير احتياجات المستخدمين، ومع
تغير التكنولوجيا، يجب أن تتكيف المكتبات من أجل الاستمرار في خدمة مستخدميها
ومؤسساتها بشكل جيد. لذلك سنتعرف من خلال هذا الموضوع على ما مدى احتياج المكتبات
إلى تبني الرشاقة المؤسسية وأهمية ذلك على أعمالها.
"المؤسسة الرشيقة والمرنة
هي المؤسسة التي تزدهر في الأوقات غير المستقرة والمتقلبة "
(ليندا هولبيش)
المكتبات والرشاقة المؤسسية
الرشاقة المؤسسية هي التطور الطبيعي للمرونة حتى التسعينات كان
مصطلح "المرونة" يستخدم للإشارة إلى الرشاقة، ولكن بسبب تغيرات
السوق والقدرة التنافسية والحاجة إلى السرعة. تمت صياغة مصطلح "الرشاقة"،
بحيث تتجاوز كون المؤسسة مرنة، فالمرونة تعني قدرة المؤسسة على إجراء تغييرات داخل
التنظيم الحالي عند حدوث متوقع، أما الرشاقة فتعني القدرة على تغيير النظام
التنظيمي استجابة لقوة خارجية غير مؤكدة الحدوث. وبإسقاط هذا المفهوم السابق على رشاقة المكتبات
واستجابتها في ظل الأزمات مثل جائحة كورونا وتعطيلها للحياة لفترات غير قصيرة،
الأمر الذي تطلب من المكتبات المرونة والرشاقة في القدرة على التعامل مع تلك
التهديدات الكبيرة والاستجابة السريعة لمتغيراتها بالشكل الذي يمكن للمكتبات من
تلبية حاجات مستخدميها بالوقت المناسب، وفي ظل هذه الأوضاع أصبح الاعتماد على
الأعمال الإلكترونية البديل الحتمي والضروري من قبل المكتبات سواء كانت عامة أو
أكاديمية، وشاهدنا كيف استجابت المكتبات وتكيفت بشكل سريع مع الأمر، ففي غضون فترة
سريعة قدمت المكتبات خدماتها بشكل رشيق عبر الإنترنت دون أن يشعر المستفيدين
بتغيير كبير، فقد استخدم الموظفون طرقًا إبداعية لضمان حصول
المستفيدين على الموارد اللازمة، وتحديداً عن طريق زيادة مجموعات الكتب الرقمية
وملفات الفيديو، وتقديم خدمات عن بعد، وتزويد الطلاب والباحثين بإمكانية الوصول
إلى قواعد البيانات من المنزل، وتقديم خدمات الدردشة لمساعدة المستفيدين في العثور
على موارد للبحث، وغيرها من الخدمات وموارد المعلومات التي بدأت المكتبات في بثها،
وكذلك عندما فتحت المكتبات أبوابها للجمهور مرة أخرى، استجابت وبشكل سريع في وضع
إرشادات حول كيفية التعامل في المكتبة في ظل جائحة كورونا وكيف أبدعت في توظيف
التكنولوجيا في تقديم الخدمات دون تلامس الأشياء.
هل تحتاج كل مكتبة أن تتبنى الرشاقة المؤسسية وما أهمية ذلك على
أعمالها ؟
علم الفوكا الغامض أي
عالم سريع التقلب
“Volatile” يكثر فيه حالات عدم
اليقين
“Uncertain” والتعقيدات “Complex” بالاضافة إلى الغموض “Ambiguous”.وأمواج
التغير التي جلبتها الثورة الصناعية الرابعة سوف تخرج كل المؤسسات غير المتجددة من
السوق المحلي والعالمي، فكما ذكرنا سابقا التغير سريع وغير متوقع ولا يمكن
الاحتماء منه بالوسائل الإدارية القديمة، ومن الأمثلة الشهيرة في هذا السياق شركة
كوداك التي انتظرت لفترة طويلة قبل الاستجابة لتطورات السوق وظلت تكافح من أجل
البقاء بشكل متناقص مما أدى إلى خروجها من السوق، في حين أن شركات أخرى مثل أمازون
التي واجهت الرياح العاتية وتمكنت من اختراع نفسها من خلال التعرف على اتجاهات
السوق المتغيرة والاستجابة لها والتحول من بائع الكتب على شبكة الإنترنت إلى منصة
بيع بالتجزئة عبر الإنترنت، ثم إلى قوة
وسائط رقمية، ثم أصبحت رائدة في مجال الحوسبة السحابية، وقد حدث هذا
التغيير المستمر دون حدوث أزمة في الأداء مما يدل على القدرة على توقع التغييرات
والتكيف والقدرة على التعامل معها برشاقة، والأمثلة كثيرة على الشركات التي اندثرت
لعدم قدرتها على التكيف والشركات التي تبنت الرشاقة مثل جوجل، وأبل، وأي بي أم،
وغيرها الكثير، وكذلك مكتبات شقت طريقها بتبني الرشاقة المؤسسية مثل :-
-
مكتبات جامعة جورج واشنطن أعادت النظر في نهجها
لتطوير المجموعات باستخدام استراتيجية متعددة الوظائف وقائمة على الفريق، والتي
استفادت من فوائد إدارة المشاريع الرشيقة. أدى تبني نهج رشيق لتطوير المجموعات إلى
زيادة تأثير الموارد المالية للمكتبة ومكن الموظفين من تطوير مهارات جديدة. أكد المشروع على قيمة التعاون وخفة الحركة والتجريب في المكتبات، كما اكتسبت الفرق داخل
المكتبة خبرة في استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والعمليات المرنة، مثل اتفاقيات
الفريق، ولوحات المهام، ومراجعات أصحاب المصلحة، لضمان تحديد أولويات العمل وتحقيق
الأهداف، بالإضافة إلى ذلك أصبح للفرق الآن عقلية رشيقة نتيجة لهذا العمل.
-
قامت مكتبة جامعة تامبيري للتكنولوجيا باعتماد
مبكر لمجموعة من الأساليب الرشيقة في مشاريعها التنموية خلال عام 2012 مع أخد بعين
الاعتبار وجود بعض المبادئ فقط قابلة
للتطبيق وهي على النحو التالي :
§
رضاء العملاء والذي تطلب منهم التخطيط وتقديم الخدمات الجيدة
فهمًا عميقًا للعملاء، من حيث تحقيق الشروط التالية :
o
أولا : من هم العملاء؟ وما نوع
الاحتياجات التي يرغبونها؟ وما الخدمة الجيدة التي تلبي احتياجاتهم وتحل مشاكلهم؟
o
ثانيًا : قياس رضا العملاء من أجل تحسين الخدمات بشكل
أكبر، وقاموا بتطبيق ذلك من خلال إجراء استبيانات رضا العملاء وتوزيعها مرتين
على مدار العام، ومن ثم تجمع المعلومات من جميع مجموعات العملاء الرئيسة (الطلاب
والباحثين وموظفي الجامعة والعملاء الخارجيين)، فضلا عن استخدام مقياس آخر في رضاء
العملاء وهو مقياس درجة المحفز الصافي (NPS) والذي يقوم على توزيع استطلاع واحد يطالب المستجيبين بتقييم احتمال أن
يوصوا بخدمات المكتبة لصديق أو زميل آخر.
o مهارات القيادة الرشيقة والتي تحتاج أولا : إلى رؤية قوية وقدرة على استخلاص
الأهداف الاستراتيجية، وثانيا : تفويض مسؤولية مشاريع التنمية الملموسة إلى
الأشخاص المتحمسين والمَهَرَة، وإنشاء بيئة عمل منفتحة وتتسم بالشفافية ؛ حيث يمكن
تحقيق التعاون الوثيق والعمل الجماعي وتمكين الفريق لإكمال العمل. وتوفير المكآفات
للعمل الجيد. وفي مكتبة جامعة
تامبيري، يوجد نظام مكافآت جماعي مطبق لضمان تحفيز الجميع للمساهمة في إجراءات
التحسين.
o
العمل بروح الفريق الواحد
نشر
ثقافة العمل بروح الفريق لتحقيق الأهداف المشتركة والالتزام بشكل متبادل بالعمل معًا. ومساعدة
أعضاء الفريق بعضهم البعض والاعتراف بالمهارات المختلفة التي يمكن أن تسهم في
الوصول إلى الهدف. ولا يمكن اعتبار العمل الجماعي في منظمة خبيرة أمرًا مفروغًا
منه ؛ لأنه ليس من السهل على الجميع مشاركة معارفهم مع الزملاء.
o
العملية الجديدة
هي
جعل المهام الفعلية ومقدار العمل يظهر بشكل مرئي والتركيز على إبراز القيمة. ويسمى
هذا في التفكير اللين بالتخلص من النفايات،
فأي شيء لا يضيف قيمة للمستفيد هو يعني إهدار. ويتمثل التحدي في التخلص من النفايات في
صعوبة تحديد ما هو ذا قيمة، وما هو الهدر ؟ ؛ لذلك يؤكد هذا المفهوم على أن حقيقة التخطيط الشامل
للغاية قبل بدء العمل الفعلي يمكِّن من أن استخلاص النفايات في بداية تحقيق
المهام. ومن الأسرع والأكثر فعالية بدء العمل بعد تخطيط قصير، ثم إجراء التغييرات
على طول الطريق إذا لزم الأمر.
o
التحسين المستمر والجودة
التحسين
المستمر والجودة تتمثل في مكتبة جامعة تامبيري في إنشاء خطة إصدار والتي تقوم على تبسيط
عملية التقدير والتخطيط لأنها تصور المهام التي يجب القيام بها والوقت المطلوب
لإكمال المهام. كما أنها تساعد في تحديد أولويات عبء العمل ؛ حيث يتم توثيق حجم
العمل والمهام الملموسة والجدول الزمني والأشخاص المسؤولين وتحديثات الحالة. ويتم
تخزين خطط الإصدار في موقع wiki الخاص بالمكتبة، ويتم تحديثها بانتظام حتى
تكون معلومات الحالة متاحة بسهولة للجميع. ويستخدم في اجتماعات المشروع وفريق
القيادة مجموعة قياسية من الأسئلة: ما الذي تم إنجازه، وما الذي سيتم عمله بعد ذلك؟،
وهل هناك أي عوائق يجب حلها قبل أن يستمر العمل. وفي بعض مشاريع التقدم، حاولوا صياغة الأهداف في شكل قصص المستخدمين (User stories) والتي تكون
عبارة عن شرح موجز بلغة بسيطة لميزة أو وظيفة مكتوبة من وجهة نظر المستخدم وما
يريد تحقيقه ؛ حتى يتمكنوا من
رؤية القيمة التي سيحققها هذا الإجراء للعملاء، أو لمجموعات معينة من العملاء منذ
البداية. ومقارنة بالطريقة القديمة في العمل، استخلصوا عدة أشياء ومن ضمنهم أن التحسين
المستمر ليس مجرد مفهوم واحد في دليل الجودة. بل أصبح أسلوبًا سائدًا للعملية. كما
أقروا بأن التنمية عملية تدريجية وليست مجهودًا لمرة واحدة. وبعد
تجربة عملية قصيرة لتنفيذ مبادئ الرشاقة للمشاريع التنموية، اعتبرت المكتبة
العناصر التالية للرشاقة هي الأكثر فاعلية وذات صلة وهي :
§
تقدير
احتياجات العملاء
§
القضاء على الهدر
§
ضمان الجودة
§
وأخيرا القدرة على إعادة
التصميم واتخاذ القرارات .
المصادر
§ كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية. خلاصة الرشاقة
المؤسسية. متاح على https://mbrsgcdn.azureedge.net/cmsstorage/mbrsg/files/d0/d0316ca2-9b44-445f-b8ac-612d7e215013.pdf . تاريخ الاطلاع 6 / 1 / 2023
§ العواملة،
رائد & حموري، صالح. الرشاقة
المؤسسية في الإدارة الحكومية. متاح على https://mbrsgcdn.azureedge.net/cmsstorage/mbrsg/files/c7/c7a495c2-a505-4b33-8312-3d7d4a326aed.pdf . تاريخ الاطلاع 1 / 1 / 2023
§ أبو زهير، زهور. الإدارة الرشيقة..فلسفة جديدة
للإدارة. متاح على https://educationmag.net/2020/09/03/lean/ . تاريخ الاطلاع : 10 / 1 / 2023.
§ Niemi-Grundstro¨m,
Minna. Developing, evaluating and managing library with agile methods. Library
Management, Vol. 35, No. 6/7 (2014). Available at : https://www.emerald.com/insight/content/doi/10.1108/LM-02-2014-0022/full/pdf . (accessed 21 / 1 / 2023)
§ Examples
of the use of agile in libraries. Available at : https://www.tlu.ee/~sirvir/Re-designing_and_Co-creating_Innovative_Cultural_Heritage_Services_Through_Libraries_/25_examples_of_the_use_of_agile_in_libraries.html . (accessed
1 / 1 / 2023)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق