يواجه المتخصصون في المكتبات تحديات متعددة في تلبية احتياجات المستخدمين في العقد الثاني من الألفية الجديدة، وبشكل خاص في المكتبات الأكاديمية ؛ حيث يتعلم طلاب اليوم في عالم ديناميكي تزداد فيه المعلومات وتتوسع بشكل سريع، وتستمر برامج المكتبات في المدارس والكليات والجامعات في الخضوع لتغييرات كبيرة، ومع زيادة أهمية التكنولوجيا والتعلم القائم على الأدلة ؛ انتقل التركيز من المكتبة كمساحة "محصورة" إلى مساحة "ذات حدود مرنة" تتناسب مع الاحتياجات المتنوعة وتتأثر بالمجتمع التفاعلي ؛ ولتحقيق ذلك يجب أن يكون مخططو المكتبات أكثر ريادة في الأعمال المستقبلية، ويقومون بشكل دوري بتقييم الاستخدام الفعال للمساحة وتقييم المواضع الجديدة للخدمات وتكوين مساحات التعلم استجابة للتغيرات في طلب المستفيد، وفي مشاريع التخطيط الأخيرة للمكتبات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة رايس، طورت كل مؤسسة رؤية لمنشآتها بناءً على تحليل شامل عن الفترة الزمنية التي يقوم فيها الطلاب بعملهم الأكاديمي، وفي كلا الجامعتين أسفر التحليل أن الطلاب يعملون في المقام الأول بين الساعة 11:00 مساءً و 4:00 صباحًا وهي عادة الفترة ذاتها التي يتم فيها إغلاق المكتبات، ويجب أن يعتمد التخطيط للمكتبات اليوم على الوصول على مدار 24 ساعة مع توفير الخدمات والتكنولوجيا الهامة وتحديد موقعها متى وأينما كانت مطلوبة. كما أدى استخدام قواعد البيانات الإلكترونية، والموارد الرقمية، والوسائط التفاعلية إلى تحول كبير من هيمنة الدراسة المستقلة إلى التعلم التعاوني والتفاعلي، ويمكن للباحث الذهاب إلى المكتبة كامتدادًا منطقيًا للفصل الدراسي، حيث يصل فيه إلى المعلومات واستكشافها مع باقي زملائه وتحليلها في مناقشة جماعية، وإعداد أوراق بحثية أو عرض تقديمي للمحاضرات العلمية ؛ ولتلبية هذه الحاجة يجب أن توفر المكتبات العديد من غرف الدراسة الجماعية المليئة بالتكنولوجيا ومساحات تطوير المشروعات باعتبارها "مختبرات تعلم"، كما يجب ألا يغفل عن المساحات المخصصة والتأملية التي ستظل جانبًا مهمًا في أي مكان للدراسة، وفي هذا الصدد نتعرف على ملامح التغيير في مساحات المكتبة في القرن الواحد والعشرين بناء على ما شهدته المكتبات من تحول كبير في فلسفتها استجابة لاحتياجات المستفيدين من أجل الوصول إلى التكنولوجيا والعمل الجماعي والتفاعل والاجتماعي وصنع المعرفة، وتوفير مساحات مشتركة ترحيبية تشجع الاستكشاف والإبداع والتعاون بين الطلاب والمعلمين والمجتمع الأوسع.
مساحات الواقع الرقمي
يتمحور الجدل حول مستقبل المكتبات حول الكتب الورقية مقابل الكتب الإلكترونية أو الواقع المادي مقابل الواقع الرقمي، فبدلاً من مراجعة استبدال المساحات الرقمية عوضا عن المساحات المادية، فيمكن للمكتبات استخدام مجموعة من الكتب الورقية وأجهزة iPad والواقع المعزز لإنشاء بيئات تعليمية مخصصة للطلاب حتى يتمكنوا من التفاعل مع المحتوى والتكنولوجيا والمساحات المخصصة لهم من أجل زيادة معرفتهم.
مكتبة جامعة فلوريدا للفنون التطبيقية بدون كتب
مشاع التعلم
مشاع التعلم والمعروفة أيضا بالمشاعات الرقمية أو مساحات التعلم
وهي عبارة عن مساحة مخصصة داخل المكتبة تعزز عملية التعلم، وتقاسم مساحة
لتكنولوجيا المعلومات والتعليم عن بعد أو عبر الإنترنت والتدريس والتعاون وإنشاء
المحتوى والاجتماعات، ويحظى مشاع التعليم بشعبية متزايدة في المكتبات الأكاديمية
والبحثية ؛ حيث تقوم بربط الطلاب
بالتكنولوجيا والمعلومات والتعلم الشامل والمشترك الذي قد يحدث داخل وخارج الفصول
الدارسية .
تمثل هذه المساحة مزيجًامن البيئات المادية والافتراضية، مما يسمح لكل من المعلمين وجيل جديد من الطلاب باختيار المساحة المناسبة لتسهيل مجموعة متنوعة من التدريس والتعلم، فهي مرنة وقابلة للتكيف مع احتياجات الأفراد والجماعات الصغيرة والكبيرة على حد سواء ؛ حيث أنه مجال يمكن فيه رعاية التطوير المهني والتعلم والبحث فيهما واستكشافه وتحليله من خلال تقديم مجموعة متنوعة من محاور الأنشطة المرنة والمختلفة. تحتاج المشاعات التعليمية الغنية بالتكنولوجيا إلى استيعاب استخدامات متعددة مثل : التعلم النشط والحوسبة والتعلم عن بعد.
مكتبة برينمور جونز بجامعة هال
يلخص أسلوب وتنفيذ المكتبة الجديدة لمدرسة فرانسيس دبليو باركر
في شيكاغو هذا المفهوم حيث حولت المكتبة مكانها التقليدي إلى مكتبة تعزز التعلم
والتواصل لتلبية احتياجات المعلمين والمتعلمين ؛ حيث قاموا بتصميم مساحة مرنة
تتضمن كراسي محمولة وطاولات وأرفف كتب، فضلا عن السماح بفتح الغرف الصغيرة للسماح بعمل مشاريع محددة، وتزويدها
باللوحات الدراسية القابلة للكتابة باستخدام علامات المسح الجاف من أجل تشجيع
الطلاب على التعاون، مع مشاركة تلك الغرف والمساحة السابقة التي كانت مهملة.
جدران المكتبة التفاعلية
يعد التفاعل بين المساحة الافتراضية
والمساحة المادية أمرًا بالغ الأهمية للتخطيط الداخلي للمكتبة، ولهذا اتجهت العديد
من المكتبات في تخصيص مساحات على جدران المكتبة عن طريق التمثيل الرقمي والتفاعل
مع موارد المكتبة من خلال توفير شاشات رقمية، والتي من خلالها يتفاعل معها رواد
المكتبة كطرق جديدة لعرض مجموعاتها، على سبيل المثال : تقدم مكتبة أفيدور (Avedøre
Library) الكتب بطريقة مختلفة وجذابة للقراء من خلال دمج الكتب المادية ومقاطع
الفيديو والمحتوى الرقمي والأشياء المادية عن طريق جدران الاتصالات والتي تقوم
بإضافة مواضيع متغيرة على مدار العام .
تعد مكتبة أورستاد (Ørestad Library) في الدنمارك أيضًا مثالاً لمكتبة عامة تعمل باستمرار لتقديم خدمات متكاملة من خلال الاتصالات الافتراضية ؛ حيث تضع شاشات عند مدخل المكتبة لعرض الوظائف العامة للمبنى، كما توفر شاشات تعمل باللمس موزعة على واجهات أرفف الكتب لوصف الموارد الموجودة على كل رف.
شاشات تعمل باللمس
على جوانب أرفف الكتب بمكتبة أورستاد
توفر مكتبات مدينة كرايستشيرش أيضا جدار الاكتشاف (Discovery Wall)، وهو أكبر جدار رقمي يعمل باللمس في نيوزيلندا، يقوم بتمثيل رقمي لمدينة لكريستشيرش، فمن خلاله يكتشف المستفيدين الصور ومقاطع الفيديو والنصوص المتعلقة بتاريخ المدينة الفريد وهويتها، كما يمكنهم من تحميل مجموعاتهم الخاصة من الصور، وإخبار تاريخ عائلاتهم، وإضافة تعليقات إلى الصور ومقاطع الفيديو وإرسال بطاقة بريدية عبر البريد الإلكتروني، إلخ.
جدار الاكتشاف بمكتبات مدينة كرايستشيرش
DLib Wall هو تطبيق
مخصص تم تطويره بواسطة مكتبات جامعة نيفادا، لاس فيغاس (UNLV) لإضفاء حضور مادي وجذاب لمجموعات المكتبات الرقمية ؛ حيث يمكن أن يعرض
موارد المجموعة المرئية (الصور ومقاطع الفيديو) في مجموعة متنوعة من التنسيقات
التي تهدف إلى إشراك المارة الذين ربما لم يكن لديهم معرفة مسبقة، أو حتى وعي
بوجود هذه الموارد. تم تصميمه ليكون سهل الاستخدام من قبل المستفيدين من أي عمر أو
مهارة تقنية.
DLib Wall يعمل على نسق MultiTaction بستة شاشات في Goldfield Room of Lied Library.
مراكز تعليمية شفافة
في محادثة TED بعنوان
من أين تأتي الأفكار الجيدة Where
Good Ideas Come From ، يكشف الكاتب ستيفن جونسون دور المقهى في
ولادة عصر التنوير - فقد وفّر "مساحة يلتقي فيها الأشخاص من خلفيات مختلفة
ومجالات خبرة مختلفة ويتشاركون الآراء"، وعندما أعادت اختصاصي المكتبات كارولين فوت
تصميم المكتبة في مدرسة
ويستليك الثانوية في أوستن ، تكساس، قامت على هذا النهج بإنشاء
مساحة خالية من الحواجز، حيث يتجمع الأفراد وينخرطون في التعلم المشترك، أي إنشاء مركز تعليمي لمجتمع
المدرسة يشجع المعلمين والطلاب على التعاون والتواصل والمشاركة ؛ ولتحقيق هذا
الهدف صممت مكتبة ويستليك بجدران
زجاجية، مما يجعل المساحة شفافة، بالإضافة إلى تخصيص مساحة للمشروبات التي تشجع
المعلمين والطلاب على التجمع والمشاركة في التعلم المشترك .
المصادر
- Bennett, Scott. Library as Place: Rethinking Roles, Rethinking Space. – Washington : Council on Library and Information Resources, 2005. Retrieved 6/9/2021. From https://www.clir.org/wp-content/uploads/sites/6/pub129.pdf
- What is the future of planning Library spaces in the 21st Century?. Retrieved 6/9/2021. From https://www.innovadesigngroup.co.uk/news/library-designs-in-the-21st-century/
- Learning commons. Retrieved 6/9/2021. From https://en.wikipedia.org/wiki/Learning_commons
- Holland, Beth. 21st-Century Libraries : The Learning Commons. Retrieved 6/9/2021. From https://www.edutopia.org/blog/21st-century-libraries-learning-commons-beth-holland
- Digital Spaces. Retrieved 6/9/2021. From https://modelprogrammer.slks.dk/en/challenges/zones-and-spaces/the-librarys-digital-spaces/
- Christchurch City Libraries. Discovery Wall. Retrieved 6/9/2021. From https://my.christchurchcitylibraries.com/turanga/turanga-spaces-and-facilities/turanga-discovery-wall/
- TOUCH WALLS. Retrieved 6/9/2021. From https://www.spaceandtime.dk/touch-walls
- Dolski, Alex & Lampert, Cory & Choi, Kee. Explorations of a Very-large-screen Digital Library Interface. D-Lib Magazine, vol 23 (July/August 2017). Retrieved 6/9/2021. From https://www.dlib.org/dlib/july17/dolski/07dolski.html
مقال ممتاز
ردحذف